سورة الجاثية - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)}
{وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءاياتي تتلى عَلَيْكُمْ} أي فيقال لهم بطريق التقريع والتوبيخ: ألم تكن تأتيكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فجواب أما القول المقدر، وحذف اكتفاءً بالمقصود وهو المقول وحذفه كثير مقيس حتى قيل هو البحر حدث عنه، وحذف المعطوف عليه لقرينة الفاء العاطفة وأن تلاوة الآيات تستلزم إتيان الرسل معنى، وهذا على ما ذهب إليه الزمخشري والجمهور على أن الهمزة مقدمة من تأخير لصدارتها والفاء على نية التقدير، والتقدير فيقال لهم: ألم تكن إلخ فليس هناك سوى حذف القول، وفي الكشف لو حمل على أن المحذوف فيوبخون لدلالة ما بعده عليه، وفائدة هذا الأسلوب مع أن الأصل فيدخلهم في عذابهم الدلالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة والكافرون بعد في الموقف معذبون بالتوبيخ لكان وجهًا {فاستكبرتم} عن الإيمان بها {وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} قومًا عادتهم الإجرام.


{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ سْتَيْقِنِينَ (32)}
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله} أي وما وعده سبحانه من الأمور الآتية أو وعده تعالى بذلك {حَقّ} أي كائن هو أو متعلقه لا محالة ففي الكلام تجوز إما في الطرف أو في النسبة.
وقرأ الأعرج. وعمرو بن قائد {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ} بفتح الهمزة على لغة سليم {والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} برفع {الساعة} في قراءة الجمهور على العطف على محل إن واسمها على ما ذهب إليه أبو علي وتبعه الزمخشري، ومن زعم أن لاسم إن موضعًا جوز العطف عليه هنا، وزعم أبو حيان أن الصحيح أنه لا يجوز كلا الوجهين وعليه فجملة {الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} عطف على الجملة السابقة، وقرأ حمزة {والساعة} بالنصب عطفًا على اسم أن وروي ذلك عن الأعمش. وأبي عمرو. وأبي حيوة. وعيسى. والعبسي. والمفضل، وذكر أمر الساعة وإنها لا ريب في وقوعها مع أنها من جملة ما وعد الله تعالى اعتناءً بأمر البعث المقصود بالمقام {قُلْتُمْ} لغاية عتوكم: {مَّا نَدْرِى مَا الساعة} أي أي شيء هي استغرابًا لها جدًا كما يؤذن به جمع {مَّا نَدْرِى} مع الاستفهام.
{إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} استشكل ذلك لما أنه استثناء مفرغ وقد قالوا: لا يجوم تفريغ العامل إلى المفعول المطلق المؤكد فلا يقال: ما ضربت إلا ضربًا لأنه نزلة ما ضربت إلا ضربت، وقال الرضي: إن الاستثناء المفرغ يجب أن يستثنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدخل فيه المستثنى بيقين ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملًا مع الظن غيره حتى يخرج الظن منه، وكذا يقال في ما ضربت إلا ضربًا ونحوه وهذا مراد من قال: إنه من قبيل استثناء الشيء من نفسه، واختلفوا في حله فقيل: إن معنى ما نظن ما نفعل الظن كما في نحو قيم وقعد وحينئذٍ يصح الاستثناء ويتغاير مورد النفي والإيجاب من حيث التقدير والتجوز في الاستثناء من العام المقدر وجعل {نَّظُنُّ} في معنى الفعل لا نفعل الظن كأنه قيل: ما نفعل فعلًا إلا الظن، وكذا يقال في أمثاله ومنها قوله الأعشى:
وحل به الشيب أثقاله *** وما اغتره الشيب إلا اغترار
وارتضاه صاحب الكشف، وقيل: ما نظن بتأويل ما نعتقد ويكون {ظَنّا} مفعولًا به أي ما نعتقد شيئًا إلا ظنًا، وارتضاه أبو حيان. وتعقب بأن ظاهر حالهم أنهم مترددون لا معتقدون. وأجيب بأن الاعتقاد المنفي لا ينافي ظاهر حالهم بل يقررها على أتم وجه، وقيل المستثنى ظن أمر الساعة والمستثنى منه مطلق الظن كأنه قيل لا ظن ولا تردد لنا إلا ظن أمر الساعة والتردد فيه فالكلام لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة، وقال الرضي: إن ما ضربت إلا ضربًا يحتمل التعدد من حيث توهم المخاطب إذ را تقول ضربت وقد فعلت غير الضرب مما يجري مجراه من مقدماته كالتهديد فتدفع ذلك وتقول ضربت ضربًا فهو نظير جاء زيد زيد فلما كان ضربت محتملًا للضرب وغيره من حيث التوهم صار كالمتعدد الشامل للضرب وغيره، وحاصله أن لاضرب لما احتمل قبل التأكيد والاستثناء فعلًا آخر حمل على العموم بقرينة الاستثناء فيكون المعنى ما فعلت شيئًا إلا ضربًا، وهكذا {مَا نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} وهذا كالمتحد مع ما ذكرناه أولًا.
ورد بأن الاستثناء يقتضي الشمول المحقق ولا يكفي فيه الاحتمال المحقق فضلًا عن المتوهم.
وتعقب بأنه ليس بشيء لأنه إذا تجرد الفعل لمعنى عام صار الشمول محققًا على أن عدم كفاية الشمول الفرضي غير مسلم كما يعرفه من يتتبع موارده، وذهب ابن يعيش. وأبو البقاء إلى أنه على القلب والتقديم والتأخير والأصل ءن نحن إلا نظن ظنًا وحكى ذلك عن المبرد، وقد حمل عليه ما حكاه أبو عمرو بن العلاء. وسيبويه من قول العرب: ليس الطيب إلا المسك بالرفع فقال: الأصل ليس إلا الطيب المسك ليكون اسم ليس ضمير الشأن وما بعد إلا مبتدأ وخبرًا في موضع الخبر لها، ورده الرضي وقال: إنه تكلف لما فيه من التعقيد المخل بالفصاحة.
والمثال المحكي وارد على لغة بني تميم فإنهم عاملوا ليس معاملة ما فاهملوها لانتقاض النفي بإلا، وقيل {ظَنّا} مفعول مطلق لفعل محذوف والمستثنى محذوف والتقدير إن نظن إلا أنكم تظنون ظنًا.
وحكي عن المبرد أيضًا وفيه حذف إن واسمها وخبرها وإبقاء المصدر وذلك لا يجوز، وفيه أيضًا من التعقيد المخل بالفصاحة ما فيه، ولا أظن صحة حكايته عن المبرد لغاية برودته، وجوز صاحب التقريب أن يكون المراد إن نظن إلا ظنًا ضعيفًا فهو مصدر مبين للنوع حذفت صفته كما صرح به في البحر لا مؤكد، وهذا يوافق ما ذكره الإمام السكاكي في بحث أن التنكير قد يكون للتحقير. وتعقب بأن قوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ سْتَيْقِنِينَ} يأباه فإن مقابل الاستيقان مطلق الظن لا الضعيف منه، وقد صرح غير واحد بأن هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها والمراد بها استمرار النفي وتأكيده، قيل: والمعنى وما نحن ستيقنين إمكان الساعة أي لا نتيقن إمكانها أصلًا فضلًا عن تحقق وقوعها المدلول عليه بقوله تعالى: {إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} فقولهم ذلك رد لهذا، ولعل المثبتين لأنفسهم الظن من غير إيقان بأمر الساعة غير القائلين {ما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] فإن ذلك ظاهر في أنهم منكرون للبعث جازمون بنفي الساعة فيكون الكفرة صنفين صنف جازمون بنفيها كأئمتهم وصنف مترددون متحيرون فيها فإذا سمعوا ما يؤثر عن آبائهم أنكروها وإذا سمعوا الآيات المتلوة تقهقر إنكارهم فترددوا.
ويحتمل اتحاد قائل ذاك وقائل هذا إلا أن كل قول في وقت وحال فهو مضطرب مختلف الحالات تارة يجزم بالنفي فيقول: {ما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] وأخرى يظن فيقول إن نظن إلا ظنًا، وقيل: الجزم هناك بنفي وقوعها والظن من غير إيقان هنا جرد إمكانها فهم مترددون بإمكانها الذاتي جازمون بعدم وقوعها بالفعل فتأمل.


{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33)}
{وَبَدَا لَهُمْ} أي ظهر لهم حينئذٍ {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ} أي قبائح أعمالهم أي عقوباتها فإن العقوبة تسوء صاحبها وتقبح عنده أو سيآت أعمالهم أي أعمالهم السيآت على أن تكون الإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف والكلام على تقدير مضاف أي ظهر لهم جزاء ذلك أو أن يراد بالسيآت جزاؤها من باب إطلاق السبب على المسبب، وقيل: المراد ظهر لهم الجهات السيئة الغير الحسنة عقلًا لأعمالهم أي جهات قبحها العقلي التي خفيت عليهم في الدنيا بتزيين الشيطان؛ وهو قول بالحسن والقبح العقليين في الأفعال، و{مَا} موصولة، وجوز أن تكون مصدرية فلا تغفل {وَحَاقَ} أي حل {بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} من الجزاء والعقاب.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13